أرسل أيمن عبد القادر يقول: لدى زميل فى العمل ينقاد لزملائه بشكل ملفت، ثم يشكو من أنه مقهور ومغلوب على أمره، فهل هناك بعض الشخصيات تحب الاستسلام والانقياد للغير، وتدين الآخرين بأنهم يقهرونهم؟
يجيب الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسى بكلية الطب بجامعة الأزهر قائلا:
المستبد بهم (المقهورين) يمكن أن يكونوا أناساً ذوى سمات متباينة، ولكن يغلب أن يكون لديهم سمات ماسوشيه، بمعنى أن لديهم ميلا لأن يتحكم فيهم أحد، وأن يخضعوا له ويسلموا له إرادتهم، ويستشعروا الراحة وربما المتعة فى إيذائه لهم وإذلاله إياهم، فلديهم مشاعر دفينة بالذنب لا يخففها إلا قهر المستبد وإذلاله لهم، على الرغم مما يعلنونه من رفضهم لاستبداده.
وهؤلاء المستعبدين ربما يكون لديهم معتقدات دينية أو ثقافية تدعوهم إلى كبت دوافع العنف، وتقرن بين العنف والظلم، وتعلى من قيمة المظلوم، وتدعو إلى التسامح مع الظالم والصبر عليه، وترى فى ذلك تطهيراً لنفس المظلوم من آثامه.
والشخصيات المستعبدة لديها شعور بالخوف وشعور بالوحدة، لذلك يلجأون إلى صنع مستبد ليحتموا به ويسيروا خلفه ويعتبرونه أباً لهم يسلمون له قيادتهم وإرادتهم ويتخلصون بذلك من أية مسئولية تناط بهم، فالمستبد قادر على فعل كل شىء فى نظرهم، وفى مقابل ذلك يتحملون تحكمه وقهره وإذلاله، ويستمتعون بذلك أحياناً.
إذن فالمستبد ليس وحده المسئول عن نشأة منظومة الاستبداد، ولكن المستعبدين (المستبد بهم) أيضاً يشاركون بوعى وبغير وعى فى هذا على الرغم من رفضهم الظاهرى للاستبداد وصراخهم منه أحياناً، ولا تزول ظاهرة الاستبداد عملياً فى الواقع إلا حين تزول نفسياً من نفوس المستعبدين حين ينضجوا ويتحرروا نفسياً ويرغبون فى استرداد وعيهم وكرامتهم وإرادتهم التى سلموها طوعاً أو كرهاً للمستبد، حينئذ فقط تضعف منظومة الاستبداد حتى تنطفئ، وليس هناك طريق غير هذا، إذ لا يعقل أن يتخلى المستبد طواعية عن مكاسبه من الاستبداد خاصة وأن نمط شخصيته يدفعه دفعاً قوياً للمحافظة على تلك المكاسب الهائلة.
وإذا رأينا المستعبدين (المستبد بهم) ينتظرون منحهم الحرية من المستبد فهذه علامة سذاجة، وعدم نضج منهم توحى ببعدهم عن بلوغ مرادهم وتؤكد احتياجهم لمزيد من الوقت والوعى ليكونوا جديرين بالحرية، فقد أثبتت خبرات التاريخ أن الحرية لا تمنح وإنما تسترد وتكتسب.
الكاتب: سحر الشيمي
المصدر: موقع اليوم السابع